فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك».
هَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة جرير بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى خثعم، فاعتصم نَاس بِالسُّجُود، فأسرع فيهم الْقَتْل، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر لَهُم بِنصْف الْعقل. وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم يُقيم بَين أظهر الْمُشْركين. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَلم؟ قَالَ: لَا ترايا نارَاهُما» قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: وَقد رَوَاهُ جمَاعَة وَلم يذكرُوا فِيهِ جَرِيرًا وَهُوَ أصح. وَذكر عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: الصَّحِيح أَنه مُرْسل. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي علله لما سُئِلَ عَنهُ.
قلت: وَأخرجه كَذَلِك مُرْسلا الشَّافِعِي وَكَذَا النَّسَائِيّ فِي الْقصاص من سنَنه وَلَفظه عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى قوم من خثعم فاستعصموا بِالسُّجُود فَقتلُوا، فَقَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنصْف الْعقل وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك. ثمَّ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ترَاءَى ناراهما». وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه مُتَّصِلا من حَدِيث قيس، عَن جرير قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا إِلَى خثعم، فَلَمَّا غشيتهم الْخَيل اعتصموا بِالصَّلَاةِ، فَقتل رجل مِنْهُم، فَجعل لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الْعقل لصلاتهم. وَقَالَ: أَنا بَرِيء من كل مُسلم مَعَ مُشْرك».
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: الَّذِي أسْندهُ عِنْدهم ثِقَة. يَعْنِي فَيكون مقدما عَلَى رِوَايَة الْإِرْسَال عَلَى الْقَاعِدَة المقررة.
فَائِدَة: قَوْله: «لَا ترَاءَى ناراهما» أَي: يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحَيْثُ يرَى نَار صَاحبه، فَجعل الرُّؤْيَة للنار وَلَا رُؤْيَة لَهَا يَعْنِي أَن يعرفوا هَذِه من هَذِه. يُقَال: دَاري تنظر إِلَى دَار فلَان أَي تقَابلهَا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَرَادَ نَار الْحَرْب تَقول ناراهما تخْتَلف، هَذِه تَدْعُو إِلَى الله، وَهَذِه تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان، فَكيف تتَّفقَانِ، وَكَيف يساكنهم فِي بِلَادهمْ وَهَذِه حَال هَؤُلَاءِ وَهَذِه حَال هَؤُلَاءِ؟ حَكَاهُمَا أَبُو عبيد فِي غَرِيبه وَابْن الْأَثِير فِي جامعه.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «كَأَنِّي بِالْحيرَةِ قد فتحت فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، هَب لي مِنْهَا جَارِيَة. فَقَالَ: قد فعلت. فَلَمَّا فتحت الْحيرَة بعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أعُطي الرجل الْجَارِيَة، فاشتراها مِنْهُ بعض أقاربها بِأَلف دِرْهَم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة ابْن أبي عمر، نَا سُفْيَان، عَن ابْن أبي خَالِد، عَن قيس، عَن عدي بن حَاتِم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مثلت لي الْحيرَة كأنياب الْكلاب وَإِنَّكُمْ ستفتحونها. فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَب لي ابْنة بقيلة. فَقَالَ: هِيَ لَك. فَأَعْطوهُ إِيَّاهَا، فجَاء أَبوهَا فَقَالَ: أتبيعها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: بكم؟ قَالَ: احكم بِمَا شِئْت. قَالَ: ألف دِرْهَم. قَالَ: قد أَخَذتهَا. قَالُوا لَهُ: لَو قلت ثَلَاثِينَ ألفا لأخذتها. قَالَ: وَهل عقد أَكثر من ألف».
وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان هَكَذَا قَالَ غَيره: عَنهُ عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان. وَالْمَشْهُور أَن هَذَا الحَدِيث عَن خريم بن أَوْس، وَهُوَ الَّذِي جعل لَهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْمَرْأَة، فقد رَوَيْنَاهُ فِي كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة فِي آخر غَزْوَة تَبُوك.
قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد ذكره ابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة فِي تَرْجَمته فَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ قَالَ: «هَاجَرت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسْلمت فَقَالَ: هَذِه الْحيرَة الْبَيْضَاء قد رفعت إِلَيّ وَهَذِه الشيماء بنت بَقيِلة الْأَزْدِيّ عَلَى بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود. قلت: يَا رَسُول الله، إِن نَحن دَخَلنَا الْحيرَة فَوَجَدتهَا كَمَا تصف فَهِيَ لي؟ قَالَ: هِيَ لَك. فَلَمَّا دخلت الْحيرَة لقيتها عَلَى بغلة شهباء كَمَا قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بخمار أسود فتعلقت بهَا وَقلت: قد وَهبهَا لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعاني خَالِد بِالْبَيِّنَةِ فَأَتَيْته بِمُحَمد بن مسلمة وَمُحَمّد بن بشير الْأنْصَارِيّ فَقَسمهَا لي فَلَمَّا وَقع الصُّلْح بَاعهَا من أَخِيهَا بِأَلف».
وَقَالَ أَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ: بَلغنِي أَن الشَّاهِدين كَانَا مُحَمَّد بن مسلمة وَعبد الله بن عَمْرو. وَفِي علل بن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مثلت لي الْحيرَة كأنياب الْكلاب، وَإِنَّكُمْ ستفتحونها فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَب ابْنة بقيلة. قَالَ: هِيَ لَك. قَالَ: فأعطوها إِيَّاه...». وَذكر الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَهَذَا عجب مِنْهُ. وَلم يبين سَبَب بُطْلَانه، وَفِي بعض رِوَايَات الطَّبَرَانِيّ أَن أخاها اسْمه عبد الْمَسِيح بن حبَان بن بقيلة، وفيهَا: «وَقيل لَهُ: لَو قلت مائَة ألف لدفعتها إِلَيْك. فَقَالَ: مَا أَحسب مَالا أَكثر من عشر مائَة».

.الحديث التَّاسِع:

«أَن بني قُرَيْظَة نزلُوا عَلَى حكم سعد بن معَاذ، وَهُوَ قتل مقاتلهم وَسبي ذَرَارِيهمْ وَأخذ أَمْوَالهم».
هَذَا كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نزل أهل قُرَيْظَة عَلَى حكم سعد بن معَاذ فَأرْسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد، فَأَتَى عَلَى حمَار، فَلَمَّا دنا من الْمَسْجِد- وَقَالَ مُسلم: قَرِيبا من الْمَسْجِد- قَالَ للْأَنْصَار: قومُوا إِلَى سيدكم- أَو قَالَ: خَيركُمْ- فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نزلُوا عَلَى حكمك. فَقَالَ: تقتل مُقَاتلَتهمْ، وتسبيى ذَرَارِيهمْ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: حكمت فيهم بِحكم الله» وَرُبمَا قَالَ: «بِحكم الْملك» وَلمُسلم: «لقد حكمت فيهم بِحكم الله» وَلَهُمَا أَيْضا مثله من حَدِيث عَائِشَة أَيْضا بِزِيَادَة: «وَأَن تقسم أَمْوَالهم» وَلأَحْمَد فِي مُسْنده من حَدِيث اللَّيْث بن سعد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر «أَن سَعْدا حكم أَن تقتل رِجَالهمْ، وتستحيا نِسَاؤُهُم وذراريهم ليستعين بهم الْمُسلمُونَ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصبت حكم الله فيهم. وَكَانُوا أَرْبَعمِائَة» وَذكر فِيهِ قصَّة.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ قَوْله: «لقد حكمت بِحكم الله» يرويهِ بَعضهم «بِحكم الْملك» وَالْأول أَجود؛ لِأَن الْملك هُوَ الله تَعَالَى وَله الحكم، وَمن أَرَادَ الْملك أَرَادَ الحكم الَّذِي أوحاه الْملك إِلَيْهِ عَن الله- عَزَّ وَجَلَّ.
قلت: قد يُؤَيّد الأول الرِّوَايَة السالفة: «لقد حكمت فيهم بِحكم الله».
قَالَ الْخطابِيّ فِي هَذِه الْقِصَّة: «لقد حكمت بِحكم الله فَوق سَبْعَة أَرقعَة» هُوَ بِالْقَافِ- أَي سبع سماوات- قَالَ: وَمن رَوَاهُ بِالْفَاءِ فقد غلط.
فَائِدَة ثَانِيَة: قَوْله: «فَلَمَّا دنا من الْمَسْجِد» قَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه فِي بَاب قيام الرجل للرجل: لَعَلَّه وهم؛ لِأَن الْمُتَبَادر إِلَى الْفَهم من ذَلِك إِرَادَة مَسْجده عَلَيْهِ السَّلَام، وَعند مَجِيء سعد كَانَ نازلًا عَلَى بني قُرَيْظَة، وَمن هُنَاكَ وَجه إِلَى سعد ليَأْتِيه إِلَّا أَن يُرِيد مَسْجِدا اختطه عَلَيْهِ السَّلَام هُنَاكَ ليُصَلِّي فِيهِ مُدَّة مقَامه.

.الحديث العَاشِر:

عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: وَإِن حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تنزلهم عَلَى حكم الله فَلَا تنزلهم عَلَى حكم الله، وَلَكِن أنزلهم عَلَى حكمك، فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أم لَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل وَقَالَ فِي أَوله: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أمَّر أَمِيرا عَلَى جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه فِي خاصته بتقوى الله وَمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا ثمَّ قَالَ: اغزوا باسم الله، فِي سَبِيل الله قَاتلُوا من كفر بِاللَّه، اغزوا وَلَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا وليدًا، وَإِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى ثَلَاث خِصَال فأيتهن مَا أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، ثمَّ ادعهم إِلَى التَّحَوُّل من دَارهم إِلَى دَار الْمُهَاجِرين، وَأخْبرهمْ إِن فعلوا ذَلِك فَلهم مَا للمهاجرين وَعَلَيْهِم مَا عَلَى الْمُهَاجِرين فَإِن أَبَوا أَن يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا فَأخْبرهُم أَنهم يكونُونَ كأعراب الْمُسلمين يجْرِي عَلَيْهِم حكم الله الَّذِي يجْرِي عَلَى الْمُسلمين وَلَا يكون لَهُم فِي الْغَنِيمَة والفيء شَيْء إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين فَإِن هم أَبَوا فسلهم الْجِزْيَة، فَإِن هم أجابوك فاقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، فَإِن لم يجيبوك فَاسْتَعِنْ بِاللَّه عَلَيْهِم وَقَاتلهمْ، وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة نبيه فَلَا تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَلَا ذمَّة نبيه، وَلَكِن اجْعَل لَهُم ذِمَّتك وَذمَّة أَصْحَابك؛ فَإِنَّكُم إِن تخفروا ذمتكم وذمم أصحابكم أَهْون من أَن تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله».

.الحديث الحَادِي عشر:

رُوِيَ «أَن سعد بن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما حكم بقتل الرِّجَال استوهب لَهُ ثَابت بن قيس الزبير ابْن باطا من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فوهبه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عُرْوَة قَالَ: «أقبل ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَب لي الزبير الْيَهُودِيّ أجزيه بيد كَانَت لَهُ عِنْدِي يَوْم بُعَاث. فَأعْطَاهُ إِيَّاه، فَأقبل ثَابت حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، هَل تعرفنِي؟ فَقَالَ: نعم، وَهل يُنكر الرجل أَخَاهُ. قَالَ ثَابت: أردْت أَن أجزيك الْيَوْم بيد لَك عِنْدِي يَوْم بُعَاث. قَالَ: فافعل؛ فَإِن الْكَرِيم يَجْزِي الْكَرِيم. قَالَ: قد فعلت، قد سَأَلت لَك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فوهبك لي فَأطلق عَنهُ إساره. فَقَالَ الزبير: لَيْسَ لي قَائِد وَقد أَخَذْتُم امْرَأَتي وَبني. فَرجع ثَابت إِلَى الزبير فَقَالَ: رد إِلَيْك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَتك وبنيك. فَقَالَ الزبير: حَائِط لي فِيهِ أعذق لَيْسَ لي وَلَا لأهلي عَيْش إِلَّا بِهِ. فَرجع ثَابت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فوهب لَهُ، فَرجع ثَابت إِلَى الزبير فَقَالَ: قد رد إِلَيْك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أهلك وَمَالك فَأسلم تسلم. قَالَ: مَا فعل الجيشان وَذكر رجال قومه؟ قَالَ ثَابت: قد قتلوا وَفرغ مِنْهُم، وَلَعَلَّ الله- تبَارك وَتَعَالَى- أَن يكون أبقاك لخير. قَالَ الزبير: أَسأَلك بِاللَّه يَا ثَابت وَبِيَدِي الخصيم عنْدك يَوْم بُعَاث إِلَّا ألحقتني بهم؛ فَلَيْسَ فِي الْعَيْش خير بعدهمْ. فَذكر ذَلِك ثَابت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بالزبير فَقتل» وَذكره أَيْضا ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة وَذكر أَنه الزبير بن باطا الْقرظِيّ، وَذكره أَيْضا مُوسَى بن عقبَة وَذكر أَنه كَانَ يَوْمئِذٍ كَبِيرا أَعْمَى.
فَائِدَة: «الزبير» بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء بِلَا خلاف كَمَا نَقله صَاحب الْمطَالع وَغَيره. و«باطا» بموحدة بِلَا مد وَلَا همزَة. قَالَ صَاحب الْمطَالع وَيُقَال: باطيا، وَهُوَ وَالِد عبد الرَّحْمَن بن الزبير الْمَذْكُور فِي بَاب مَا يحرم من النِّكَاح، وَقتل الزبير بن باطا يَوْم سبي قُرَيْظَة كَافِرًا قَتله الزبير بن الْعَوام رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صبرا.

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أَن رجلا أسرته الصَّحَابَة فَنَادَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يمر بِهِ: إِنِّي مُسلم. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أسلمت وَأَنت تملك أَمرك أفلحت كل الْفَلاح. ثمَّ فدَاه برجلَيْن من الْمُسلمين أسرتهمَا ثَقِيف».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من طَرِيق عمرَان بن الْحصين رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي الْبَاب قبله وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين مِنْهُ.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن الْمُشْركين أَغَارُوا عَلَى سرح الْمَدِينَة وذهبوا بالعضباء وأسروا امْرَأَة، فَانْقَلَبت ذَات لَيْلَة فَأَتَت بالعضباء فَقَعَدت فِي عجزها، ونذرت إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: بئْسَمَا جزيتهَا، لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة، وَلَا فِيمَا لَا يملكهُ ابْن آدم. وَأخذ نَاقَته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ بعض من الحَدِيث الَّذِي قبله وَبِه يتم.

.الحديث الرّابع عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من أسلم عَلَى شَيْء فَهُوَ لَهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَفِي إِسْنَاده ياسين بن معَاذ أَبُو خلف الزيات الْكُوفِي وَهُوَ ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ مرّة: ضَعِيف. وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: كَانَ رجلا صَالحا لَا يعقل مَا يحدث مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات، وينفرد بالمعضلات عَن الْأَثْبَات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ ضَعِيف خرجه يَحْيَى وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا من الْحفاظ. قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرْوَى عَن ابْن أبي مليكَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، وَعَن عُرْوَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لَا أصل لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِي: وَكَأن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث من أسلم عَلَى شَيْء يجوز لَهُ ملكه فَهُوَ لَهُ. وَفِي مُسْند أَحْمد ثَنَا وَكِيع، ثَنَا أبان بن عبد الله البَجلِيّ، حَدثنِي عمومتي، عَن جدهم صَخْر بن عيلة «أَن قوما من بني سليم فروا عَن أَرضهم حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام، فأخذتها فأسلموا، فخاصموني فِيهَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَردهَا عَلَيْهِم وَقَالَ: إِذا أسلم الرجل فَهُوَ أَحَق بأرضه وَمَاله».

.الحديث الخَامِس عشر:

يرْوَى فِي الْخَبَر «الدُّعَاء وَالْبَلَاء يعتلجان، أَي: يتدافعان».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ عقب الحَدِيث السَّابِع- وأخرته هُنَا- سَوَاء، وَهُوَ حَدِيث أخرجه الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث زَكَرِيَّا بن مَنْظُور- شيخ من الْأَنْصَار- أَخْبرنِي عطاف بن خَالِد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا ينفع حذر من قدر، وَالدُّعَاء ينفع- أَحْسبهُ قَالَ. مَا لم ينزل الْقدر، وَإِن الدُّعَاء لِيلْقَى الْبلَاء فيتعالجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قلت: وزَكَرِيا هَذَا ضعفه وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واه مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد بن عدي: مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه. وعطاف بن خَالِد هُوَ المَخْزُومِي وَفِيه خلاف قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة صَالح الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَقَالَ ابْن عدي: لم أر بحَديثه بَأْسا.
وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي بَاب الدُّعَاء بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «لَا يُغني حذر من قدر، وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل، وَإِن الْبلَاء لينزل فيتلقاه الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. قلت: مَا اقْتصر فِي ذَلِك لضعف ابْن مَنْظُور، وَالْكَلَام فِي عطاف لَا جرم تعقبه الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره فَقَالَ عقب قَوْله «هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد»: فِيهِ زَكَرِيَّا بن مَنْظُور وَهُوَ مجمع عَلَى ضعفه. لَكِن فِي نَقله الْإِجْمَاع نظر، وَقد نقل هُوَ فِي تذهيبه عَن ابْن معِين من رِوَايَة عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ شَيْء زَعَمُوا أَنه طفيلي. ثمَّ نقل عَنهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى السالفة، وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من الطَّرِيق الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر كَلَامهم فِي زَكَرِيَّا بن مَنْظُور.
قلت: لَكِن لَهُ شَوَاهِد مِنْهَا حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يَحْيَى بن الضريس. ذكره بعد أَن ترْجم عَلَيْهِ فِي أَبْوَاب الْقدر بَاب: مَا جَاءَ لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء ثمَّ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي أسيد.
قلت: وثوبان أَيْضا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي الْجَعْد عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الرجل يحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ، وَلَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر» ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن حبَان: لم يرد بِهِ عُمُومه؛ لِأَن الذَّنب لَا يحرم الرزق الَّذِي رزق العَبْد، بل يكدر عَلَيْهِ صفاءه إِذا فكَّر فِي تعقيب الْحَالة فِيهِ ودوام الْمَرْء عَلَى الدُّعَاء يطيب لَهُ وُرُود الْقَضَاء فَكَأَنَّهُ رده لقلَّة حسه بألمه وَالْبر يطيب الْعَيْش حَتَّى كَأَنَّهُ يُزَاد فِي عمره لطيب عيشه.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فستة:

.أَحدهَا:

«أَن الهرمزان لما حمله أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ عمر: تكلم لَا بَأْس عَلَيْك. ثمَّ أَرَادَ قَتله، فَقَالَ أنس: لَيْسَ لَك إِلَى قَتله سَبِيل قلت لَهُ: تكلم لَا بَأْس عَلَيْك».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي، أَنا الثَّقَفِيّ، عَن حميد، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «حاصرنا تستر فَنزل الهرمزان عَلَى حكم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقدمت بِهِ عَلَى عمر، فَلَمَّا انتهينا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: تكلم. قَالَ: كَلَام حَيّ أَو كَلَام ميت؟ قَالَ: تكلم لَا بَأْس. قَالَ: إِنَّا وَإِيَّاكُم يَا معشر الْعَرَب مَا خَلى الله بَيْننَا وَبَيْنكُم، كُنَّا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم، فَلَمَّا كَانَ الله مَعكُمْ لم يكن لنا يدان. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: مَا تَقول؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، تركت بعدِي عدوًّا كثيرًّا وشوكة شَدِيدَة، فَإِن قتلته يئس الْقَوْم من الْحَيَاة وَيكون أَشد لشوكتهم. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أستحيي قَاتل الْبَراء بن مَالك ومجزأة بن ثَوْر! فَلَمَّا خشيت أَن يقْتله، قلت: لَيْسَ إِلَى قَتله سَبِيل؛ قد قلت لَهُ: تكلم لَا بَأْس. فَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. ارتشيت وأصبت مِنْهُ؟! فَقَالَ: وَالله مَا ارتشيت وَلَا أصبت مِنْهُ. قَالَ: لتَأْتِيني عَلَى مَا شهِدت بِهِ بغيرك أَو لابد أَن تشهد بعقوبتك. قَالَ: فَخرجت فَلَقِيت الزبير بن الْعَوام فَشهد معي، وَأمْسك عمر، وَأسلم الهرمزان وَفرض لَهُ».
فَائِدَة:
الهرمزان: بِضَم الْهَاء وَالْمِيم وَهُوَ اسْم لبَعض أكَابِر الْفرس وَهُوَ دهقانهم الْأَصْغَر. قَالَ المطرزي فِي كتاب المعرب: الهرمزان ملك الأهواز أسلم وَقَتله عبيد الله بن عمر اتهامًا أَنه قَاتل أَبِيه أَو الْآمِر بِهِ. و«تستر» بتاءين مثناتين من فَوق الأولَى مَضْمُومَة وَفتح الثَّانِيَة بَينهمَا سين مُهْملَة سَاكِنة، وَهِي مَدِينَة مَشْهُورَة بخراسان.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «الله يعلم كل لِسَان، فَمن أَتَى مِنْكُم أعجمًّا فَقَالَ: مترس. فقد أَمنه»
وَهَذَا الْأَثر لَا أعلمهُ مرويًّا من طَرِيق ابْن مَسْعُود، وَإِنَّمَا هُوَ عَن عمر رضى الله، عَنهُ كَذَلِك ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَقَالَ: قَالَ عمر: «إِذا قَالَ: مترس فقد آمنهُ؛ أَن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا. وَقَالَ: تكلم لَا بَأْس». وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن رجل من أهل الْكُوفَة عَنهُ أَنه كتب إِلَى عَامل جَيش كَانَ بَعثه: «إِنَّه بَلغنِي أَن رجَالًا مِنْكُم يطْلبُونَ العلج حَتَّى إِذا أسْند فِي الْجَبَل وَامْتنع قَالَ رجل: مترس- وَفِي رِوَايَة: مطرس. لَا تخف- فَإِذا أدْركهُ قَتله، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أعلم مَكَان أحد فعل ذَلِك إِلَّا ضربت عُنُقه».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، قَالَ: «جَاءَنَا كتاب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: وَإِذا قَالَ الرجل للرجل: لَا تخف فقد أَمنه، وَإِذا قَالَ: مترس. فقد أَمنه؛ فَإِن الله يعلم الْأَلْسِنَة».
فَائِدَة:
«مترس» بِفَتْح الْمِيم وَالتَّاء وَسُكُون الرَّاء ثمَّ سين وَكَذَا ضَبطه صَاحب الِاسْتِقْصَاء وَيُقَال بِالطَّاءِ بدل التَّاء كَمَا سلف، وَهِي كلمة فارسية كَمَا نَص عَلَيْهِ ابْن الْأَثِير فِي جامعه وَمَعْنَاهَا: لَا تخف، كَمَا سلف.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن فُضَيْل الرقاشِي قَالَ: «جهز عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه جَيْشًا كنت فيهم، فحصرنا قَرْيَة رامهرمز فَكتب عبد أَمَانًا فِي صحيفَة شدها مَعَ سهم رَمَى بِهِ إِلَى الْيَهُود، فَخَرجُوا بأمانه فَكتب إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ: العَبْد الْمُسلم رجل من الْمُسلمين، ذمَّته ذمتهم».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَاصِم الْأَحول، عَن فُضَيْل بن زيد قَالَ: «كُنَّا مصافي الْعَدو. قَالَ: فَكتب عبد فِي سهم لَهُ أَمَانًا للْمُشْرِكين فَرَمَاهُمْ بِهِ فَجَاءُوا فَقَالُوا: قد أمنتمونا. فَقَالُوا: لم نؤمنكم، إِنَّمَا أمنكم عبد. فَكَتَبُوا فِيهِ إِلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَكتب عمر: إِن العَبْد من الْمُسلمين وذمته ذمتهم وأمنهم». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ فِي حَدِيث أهل الْبَيْت عَن عَلّي مَرْفُوعا: «أَمَان العَبْد جَائِز».
فَائِدَة:
وَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ فضل وَصَوَابه فُضَيْل بِزِيَادَة يَاء كَمَا قَدمته، وكنيته أَبُو حسان، قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي جرحه وتعديله: فُضَيْل بن زيد الرقاشِي يكنى أَبَا حسان، كناه حَمَّاد بن سَلمَة. قَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ رجل صَدُوق ثِقَة. وَوَقع فِي الْمُهَذّب: فضل بن يزِيد بِإِثْبَات الْيَاء فِي يزِيد وحذفها من فُضَيْل. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه كَذَا وَجَدْنَاهُ فِي نسخ الْمُهَذّب قَالَ: وَنقل بعض الْأَئِمَّة عَن خطّ المُصَنّف أَنه واهٍ فحذفها مِنْهُمَا. قَالَ النَّوَوِيّ: وكل هَذَا غلط وتصحيف، وَالصَّوَاب فُضَيْل بن زيد، بِإِثْبَات الْيَاء فِي فُضَيْل وحذفها من زيد هَكَذَا ذكره أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ ابنُ أبي حَاتِم، وَغَيره.
والرقاشِي بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف مَنْسُوب إِلَى رقاش قَبيلَة مَعْرُوفَة من ربيعَة.
ورَامْهُرمُز الْمَذْكُور فِي رِوَايَة المُصَنّف- بِفَتْح الْمِيم الأولَى وَضم الْهَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَضم الْمِيم الثَّانِيَة- وَهِي من بِلَاد خوزستان بِقرب شيراز.

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَن أحدكُم أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى مُشْرك فْنْزل عَلَى ذَلِك ثمَّ قَتله لقتلته».
وَهَذَا الْأَثر غَرِيب لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن ثَابت بن قيس بن شمَّاس أَمن الزبير بن باطا يَوْم قُرَيْظَة فَقتله».
وَهَذَا الْأَثر تقدم بَيَانه فِي الْبَاب فِي الحَدِيث الْحَادِي عشر مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ السالفة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِهِ فَقتل. وَقد قدمنَا فِيمَا مَضَى من الْبَاب أَن الزبير هَذَا قَتله الزبير بن الْعَوام صبرا فَالله أعلم.

.الْأَثر السَّادِس:

«أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ حاصر مَدِينَة السوس وَصَالَحَهُ دهقانها عَلَى أَن يُؤمن مائَة رجل من أَهلهَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنِّي لأرجو أَن يخدعه الله عَن نَفسه. قَالَ: اعزلهم. فَلَمَّا عزلهم، قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أفرغت؟ قَالَ: نعم. فَأَمنَهُمْ وَأمر بقتل الدهْقَان، فَقَالَ: أتغدر بِي وَقد أمنتني؟! فَقَالَ: أمنت الْعدَد الَّذِي سميت، وَلم تسم نَفسك».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه الْآن وَزَاد الْمَاوَرْدِيّ فِي آخِره: «فَنَادَى بِالْوَيْلِ وبذل مَالا كثيرا فَلم يقبل مِنْهُ فَقتله».

.كتاب الْجِزْيَة:

كتاب الْجِزْيَة:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فاثنان وَعِشْرُونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمر أَمِيرا عَلَى جَيش أَو سَرِيَّة أوصاه، وَقَالَ: إِذا لقِيت عَدوك فادعهم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِن أجابوك فاقبل مِنْهُم، فَإِن أَبَوا فسلهم الْجِزْيَة، فَإِن أَبَوا فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَقَاتلهمْ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي الْبَاب قبله، وَهُوَ الحَدِيث الْحَادِي عشر مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي:

عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه قَالَ لِمعَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما بَعثه إِلَى الْيمن: إِنَّك سترد عَلَى قوم أَكْثَرهم أهل الْكتاب، فاعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام، فَإِن امْتَنعُوا فاعرض عَلَيْهِم الْجِزْيَة، وَخذ من كل حالم دِينَارا، فَإِن امْتَنعُوا فَقَاتلهُمْ».
هَذَا الحَدِيث ذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه كَذَلِك، وَكَأن الرَّافِعِيّ تبعه فِي إِيرَاده وَلَا أعرفهُ مرويًّا عَلَى الْوَجْه الْمَذْكُور، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط. وَالْمَعْرُوف فِيهِ عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي لما وَجهه إِلَى الْيمن أمره أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله من المعافر- ثِيَاب تكون بِالْيمن» كَذَلِك رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. وَذكر أَن بَعضهم رَوَاهُ مُرْسلا وَأَنه أصح، وَأعله ابْن حزم بالانقطاع وَقَالَ: لم يسمع مَسْرُوق من معَاذ. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق: يرويهِ مَسْرُوق بن الأجدع، عَن معَاذ. ومسروق هَذَا لم يلق معَاذًا وَلَا ذكر من حَدثهُ عَن معَاذ، ذكره ابْن عبد الْبر وَغَيره، وَفِي بعض نسخ أبي دَاوُد أَن هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ: وَبَلغنِي عَن أَحْمد أَنه كَانَ يُنكر هَذَا الحَدِيث إنكارًا شَدِيدا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا الْمُنكر رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن مَسْرُوق عَن معَاذ، فَأَما رِوَايَة الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة قد رَوَاهَا عَن الْأَعْمَش جمَاعَة مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَمعمر، وَجَرِير، وَأَبُو عوَانَة، وَيَحْيَى بن سعيد، وَحَفْص بن غياث. وَقَالَ بَعضهم: عَن معَاذ. وَقَالَ بَعضهم: إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن. أَو مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأما حَدِيث الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم فَالصَّوَاب عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن مَسْرُوق وَالْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَا: قَالَ معَاذ... الحَدِيث، هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ حَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن مَسْرُوق، وَحَدِيثه عَن إِبْرَاهِيم مُنْقَطع لَيْسَ فِيهِ ذكر مَسْرُوق، وَقد رَوَيْنَاهُ عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ.